وزير الأوقاف السوداني:
التجربة المصرية في التسامح الديني تجربة عظيمة ومتفردة
عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية :
اللغة أحد أهم مكونات الإمام والخطيب
وفهم أسرار اللغة يسهم في رقة طبع صاحبه
ولا غنى للخطيب عن ملكة اللغة والأدب
واللغة هي مفتاح فهم أسرار القرآن الكريم
نائب رئيس مجلس الدولة :
انتهجت وزارة الأوقاف نهجا ثابتا نحو العالمية
من خلال أكاديمية الأوقاف الدولية ودورها في تدريب الأئمة المصريين
وغيرهم من خارج مصر
ودور الإمام دور هام في نشر الفكر الوسطي
افتتح معالي وزير الأوقاف المصري أ.د/ محمد مختار جمعة ونظيره السوداني معالي الشيخ / نصر الدين مفرح اليوم الخميس ٢٤ / ١٢ / ٢٠٢٠ م المعسكر التثقيفي المشترك للأئمة المصريين والسودانيين بمعسكر أبي بكر الصديق التابع لوزارة الأوقاف المصرية بمدينة الإسكندرية ، وبحضور كل من : الدكتور/ عبد الرحيم علي محمد رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان ، والدكتورة / إيمان الشماع عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات (فرع الإسكندرية ) ، والمستشار/ محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة ، وبمشاركة عدد من الطلاب الأندونيسيين والطلاب النيجيريين المسجلين على منحة دراسية من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة .
وفي بداية كلمته أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن فهم القرآن الكريم لا يتم إلا بتعلم العربية، ومن أول شروط المجتهد إتقان فهم العربية، فالعالم عندما يتقن العربية يستطيع أن يكون خطيبا ماهرا، مؤكدًا أننا بحاجة وبقوة إلى إتقان اللغة العربية وخاصة عندما نخاطب غير الناطقين بها .
ومن الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم مخاطبة المؤنث فيه بلفظ المذكر كما في قصة سيدنا يوسف (عليه السلام )، حيث يقول تعالى عن امرأة العزيز : “يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ” فعبر سبحانه هنا بلفظ الخاطئين المذكر ولم يعبر بلفظ “الخاطئات ” المؤنث ؛ لأن العرب والفضلاء والناس أجمعين يمدحون المرأة بالحياء والعفة والإباء ، والأصل في المرأة أن تكون مخطوبة ومطلوبة ، والأصل في الرجل أن يأتي خاطبًا وطالبا، أما عندما تعكس المرأة الفطرة السليمة على نحو ما كان من امرأة العزيز ، حيث يقول الحق سبحانه :” وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” ، فلما عكست امرأة العزيز الفطرة الإنسانية الصحيحة السليمة جاء التعبير اللغوي على خلاف الأصل ليناسب حالها الذي كان على خلاف الأصل في الإنسانية ،
كما ذكر معاليه أنموذجًا لبلاغة وفصاحة المفردة القرآنية ، حيث يقول تعالى عن السيدة مريم (عليها السلام) : “وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ”، ولم يقل في شأنها (عليها السلام) :” وكانت من القانتات” ، يقول علماء اللغة : يمكن أن يكون هذا على سبيل التغليب ، فعبر القرآن الكريم عن المؤنث بالمذكر من هذا الباب ، وهذا صحيح ، لكن يمكن القول: إنه ما أتى على الأصل لا يسأل عن علته ، وما خرج عن الأصل لا بد من البحث له عن علة ، فإذا خرج الخطاب من المؤنث إلى المذكر فلا بد أن يكون هذا لعلة ، وحيث عبر القرآن بلفظ “الْقَانِتِينَ ” ولم يقل ” القانتات” ، ذلك أن أم مريم (عليها السلام ) نذرت ما في بطنها لخدمة بيت الرب (بيت المقدس) ، وفي ذلك الوقت لم تكن خدمة بيوت الله تعالى مما تقوم به النساء ولا يُعهد بها إليهن ، فلما وضعت مريم ( عليها السلام ) قالت :” رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ” ، ولم يقل النص القرآني وليس الأنثى كالذكر ، وإنما قال : “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى” ، أي ليس الذكر والذي كنت تتمنين كالأنثى التي رزقتين بها ، فهي خير من كثير من الرجال ، يقول المتنبي :
فما التأنيث لاسم الشمس عيب … ولا التذكير فخر للهلال
فلما قامت السيدة مريم (عليها السلام) بخدمة بيت الرب على أكمل وجه وخير قيام كأفضل ما يقوم به الرجال من العمل الجاد ، فنزلت منزلة الرجال حيث إن ما قامت به كان عملًا عظيمًا ، لهذا جاء التعبير بلفظ” الْقَانِتِينَ” .
كما أشار معاليه بأن كل كلمة في القرآن الكريم قد وقعت موقعها ، وما قُدم أو أُخر ، أو ذُكر أو حُذف كان لغاية في البلاغة والفصاحة والبيان ، ومن هذا : قول الله تعالى في سورة مريم عن سيدنا زكريا ( عليه السلام): ” قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ” ، وفي سورة آل عمران : ” قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ” ، ففي هذا النص القرآني الكريم عبر في سورة مريم ب “ثَلَاثَ لَيَالٍ” ، وفي سورة آل عمران ب :”ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ” ، ذلك أن في أيام العرب وحسابهم الليل يسبق النهار ، فنحن خلال شهر رمضان المعظم ، عند أول ليلة منه نستطلع الهلال ، فإن ثبت الهلال صلينا التراويح لأنها أول ليلة من رمضان ، ونتبعها بصوم اليوم الذي بعدها ، وهكذا في هلال شوال حيث يكون في آخر يوم من رمضان ، ونستقبل أول ليلة من شوال التي هي ليلة العيد ، فالليالي سابقة على الأيام ، وهنا سورة مريم (عليها السلام) نزلت في مكة ، وسورة آل عمران نزلت لاحقًا في المدينة ، فعبر في سورة مريم بالليالي السابقة في الزمن مع السورة السابقة في النزول ، وعبر في سورة آل عمران اللاحقة في النزول بالأيام وهي لاحقة في الزمن ، فجعل سبحانه السابق للسابق ، واللاحق للاحق ، فكل لفظة وقعت موقعها طبقًا لسياقها ، وهذا من عظمة بلاغة القرآن الكريم.
كما ذكر معاليه أنموذجًا آخر لبلاغة الكلمة القرآنية ، وذلك في قوله تعالى : ”وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ”، ويقول تعالى :”وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ” ، فعند الحديث عن أهل جهنم جاءت كلمة ” فُتِحَتْ ” بدون واو ، بينما جاءت في الحديث عن أهل الجنة ” وَفُتِحَتْ” مسبوقة بالواو ، قال بعض العلماء : إنها واو الحال ، والمعنى : جاءوا الجنة والحال أنها مفتوحة أمامهم وهذا من إكرام الله تعالى لعباده المؤمنين ، “جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ” ، أما أهل جهنم فيأخذهم العذاب بغتة، وقال بعضهم : إن هذه الواو واو الثمانية ، ذلك أن بعض القبائل العربية كانت تقول العدد : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، فتأتي بالواو مع العدد الثامن ، والقرآن الكريم نزل على سبعة أحرف ، فنزل مراعيًا بعض لهجات القبائل ، ولهذا نظائر منها : قوله تعالى: ” سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ” بدون واو في الموضعين :” وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ“ ، فجاءت الواو مع العدد الثامن على لهجة من يأتي بالواو مع العدد الثامن ، ومنها : قوله تعالى في سورة التوبة : ” التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ” ، فجاءت الواو مع العدد الثامن ، ومنها قوله تعالى في سورة التحريم : ” عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ” ، فذكرت الواو أيضًا مع العدد الثامن ، وهي مع هذا تفيد التنويع ؛ لأن النساء إما ثيباتٍ وإما أبكارًا ، ولا مانع أن تفيد التنويع مع واو الثمانية أيضًا، مبينا معاليه الحكمة من واو الثمــانية في قــوله تعالى : ” وَفُتِحَتْ ” في الحديث عن أهل الجنة دون قوله تعالى : ” فُتِحَتْ ” في الحديث عن أهل النار ، لأنّ أبواب النار سبعة لقوله تعالى : ” لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم “ ، أما أبواب الجنة فثمانية حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ” ، فلما كانت أبواب جهنم سبعة لم يؤت معها بالواو ، لأن العرب لا تأتي بالواو مع العدد السابع ، ولما كانت أبواب الجنة ثمانية أُتي معها بالواو ، على لغة بعض القبائل العربية ، مشيرًا معاليه إلى أن كون أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة ما يدل على أن رحمة الله (عز وجل) أوسع من غضبه ، يقول الحق سبحانه وتعالى : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ”.، فإذا كان هذا خطاب الله تعالى لعباده المسرفين فما بالنا بخطابه لعباده المخلصين ؟، وفي الحديث القدسي :” يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي”، وأن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ونحن في شهر الرحمة وشهر العتق من النار .
وفي كلمته صرح معالي وزير الأوقاف السوداني الشيخ/ نصر الدين مفرح بأن ما لمسه خلال زيارة مجمع الأديان بصحبة معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري يؤكد أن التجربة المصرية في مجال التسامح الديني تجربة عظيمة ومتفردة ، وجديرة أن تعمم في العالم كله لإرساء وترسيخ أسس التسامح الديني والسلام العالمي.
كما أشار إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) اتبع أساليب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وضرب أروع الأمثلة في ذلك من خلال تعامله مع سيدنا ثمامة بن أثال (رضي الله عنه) وغيره .
وفي كلمتها أكدت أ.د/ إيمان الشماع عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالأزهر الشريف بالإسكندرية أن اللغة هي أحد أهم مكونات الإمام والخطيب ، وأن فهم أسرار اللغة يسهم في رقة طبع صاحبه ، كما أنه لا غنى للخطيب عن ملكة اللغة والأدب ، وأن اللغة هي مفتاح فهم أسرار القرآن الكريم .
وفي كلمته أشار المستشار/ محمد عبد الوهاب خفاجي إلى أنه يجب على المجتمعات تجديد أساليب الخطاب الديني لان رسالة الإسلام رسالة عالمية، فلابد أن يكون الخطاب الديني عالميا، وقد انتهجت وزارة الأوقاف نهجا ثابتا نحو العالمية ، من خلال أكاديمية الأوقاف الدولية ودورها في تدريب الأئمة المصريين وغيرهم من خارج مصر ، ، ومن خلال ترجمة الكتب حتي ننتقل من الاستنارة الفردية إلى الاستنارة العالمية ، وأن دور الإمام دور هام في نشر الفكر الوسطي ، مؤكدًا على أن دور الإمام مهم جدًا في نشر الفكر الوسطي المستنير، وهو أحد الأعمال الجوهرية في إصلاح المجتمع، وله دور مهم أيضآ في وسائل التواصل الحديثة الموجودة الآن، مشيرًا إلى ضرورة نشر سماحة الإسلام، ونشر قيم الإنسانية، والمساواة، وحقوق الإنسان.